مدَّونة علم من الكتاب

الأحد، يناير 14، 2007

الخروج من الصندوق

الخروج من الصندوق مفهوم يقصد به أننا قد أصبحنا أسيرين لحالة من الرتابة والروتين تمنعنا من الإبداع وتحريك قوانا الداخلية لتحقيق مزيد من النجاح، فعندما كنا صغارا كنا مبدعين ومغامرين ونتساءل دائما وخيالنا أوسع حتى أصبنا وبتقدم العمر بما يسمى (الحل الوحيد والاختيار الواحد) فالأستاذ في المدرسة يلزمنا بطريقة واحدة فقط لحل أي سؤال وكذلك هو الحال في المؤسسة والشركة يريد المدير من الموظف أن يمشي على طريقته دون ترك أي مجال للتفكير والإبداع وكذلك الأسر في البيوت حتى ضعفت عندنا ملكة التخيل والابتكار.
وحياتنا الاجتماعية والسلوكية والوظيفية والإدارية أصبحت تمثل صناديق مغلقة فحينما يولد الطفل يوضع في سرير يشبه الصندوق ثم يذهب إلى المدرسة فتوضع أدواته المدرسية في صندوق ويجلس في صندوق الكرسي والطاولة والغرفة ويتعلم كيف يرسم الصندوق، والألعاب والهدايا نقدمها لأطفالنا في صناديق، وكذلك الأمر في شتى مناحي الحياة، فنجلس في صندوق الغرفة ونعمل في صندوق المكتب وفي المكتب عدة صناديق تسمى أدراج, وسائل الإعلام تقدم في صناديق الفيديو والتلفزيون والكمبيوتر وكذا الهيكل التنظيمي للمؤسسة أو الشركة يرسم على شكل صناديق.
التراجع في القدرة على التجديد والابتكار كلما كبرنا و تقدمنا في العمر لا يعني موت هذه الموهبة تماما فكل منا يستطيع أن يحركها ويجربها، فلنبدأ بتجريب ذلك وليكن عندنا أوقات لذلك بمحاولة أن نكثر خياراتنا وان نتجنب الحل الوحيد قدر المستطاع، فالصناديق بحد ذاتها ليست مشكلة ولكن المشكلة فينا نحن فقد نحتاج للصناديق في فترة من الفترات للتركيز وتنظيم العمل وإرساء القواعد والإجراءات، ولكن الخطير أن نستسلم لهذه الصناديق لتحدد حياتنا وتقلل خياراتنا وتكبل أنفسنا و تمنعنا من استغلال الفرص من حولنا، و اليوم نجد أن المؤسسات والمنظمات الحديثة تتجه لتقليل عدد الصناديق في أنظمتها وآليتها وأعمالها لتفتح مجالات الإبداع والعمل بروح الفريق والاستفادة من المخاطرة والمغامرة، و لقد نشأ في عالم الأعمال ما يسمى بالمنظمة المتعلمة ( Learning Organization ) والتي تعمل بأسلوب المنظمة الشبكية (Network Organization) وغير الهرمية والتي تتبنى التعلم في كل اتجاهات والمخاطرة وروح المبادرة والمرونة والسرعة وتعتمد أسلوب فرق العمل المرنة بدلا من الوحدات والأقسام والمجموعات الثابتة، وتفضل تطوير الأفكار البسيطة وتقسيم الأعمال إلى مشاريع صغيرة يسهل إدارتها والتحكم فيها.
أكثر مايمنع من التجديد والابتكار المخاوف غير الواقعية، ويذكر هنا القصة الخيالية لذلك الرجل الضخم الجثة الذي حاول مواجهة ثعبان ضخم له رأسان وحينما رأى الثعبان أن الرجل قد خافه وحاول الهرب منه التف حوله وقتله على عكس ذلك الطفل الصغير الذي اقترب منه الثعبان فلم يهرب بل اقترب منه الطفل مركزاً في عينيه فرأى الثعبان صورته في عيني الطفل فولى هاربا، وهذه القصة الرمزية تحكي أن أكثر مخاوفنا ليست واقعية بل هي عقدة الخوف التي هي جزء من طبيعتنا البشرية، ونحن نختلف عن بعضنا في طريقة استجابتنا لهذه المخاوف فيدفع الخوف الأبطال إلى المغامرة ويدفع آخرين إلى التراجع والانحصار، و يقترح هنا تخصيص صندوق خاص نسميه « صندوق المخاوف» نضع فيه سبب الخوف الذي يصيبنا في كل مرة ونحاول أن نفتح الصندوق في آخر الأسبوع لنرى أن أكثر المخاوف لم تكن حقيقية بل سوف نسخر من مخاوفنا هذه، ويمكن أن نجد أن بعض هذه المخاوف حقيقية تحتاج إلى القيام بإصلاح أسبابها لتقليل آثارها.
من مظاهر وجود الحس الابتكاري والإبداعي عندنا أن يكون لنا رؤية خاصة للمشكلات من حولنا والقدرة على تمييزها وتصنيفها ونقدها ومعرفة ما يمكن أن يساهم في إصلاحها، وهناك طرق بسيطة وسهلة يمكن أن نبدأ ممارستها بشكل مستمر لكي تنمو عندنا ملكة التخيل والابتكار والإبداع ولتقل عندنا آثار الملل والرتابة و سيطرة الصناديق على حياتنا سواء في البيت أو المدرسة أو المؤسسة أو في مجالات الحياة الأخرى، و من ذلك تخصيص فترة وجيزة للتخيل كل يوم وكتابة الأفكار في كل مرة، مناقشة فكرة كل أسبوع مع زميل من الزملاء، القيام بعمل جديد أو زيارة مكان لم يسبق زيارته سواء كان معرضا أو محلا أو منتزهاً، تبادل العمل مع زميل آخر، تقديم فكرة جديدة كل أسبوع سواء كان في الأسرة أو المؤسسة، قراءة قصة وعدم إكمالها لنترك للخيال استعراض السيناريوهات المحتملة، الاطلاع على كتاب أو مجلة أو موقع على الإنترنت في مجال جديد مرة واحدة كل أسبوع على الأقل، أخيراً إثارة و كتابة العديد من الأسئلة وإن كان لا يوجد لها جواب فوري حول الكثير من جوانب الحياة من حولنا، وهنا يذكر «ايزيدور رابي» الفائز بجائزة نوبل للفيزياء عام 1994م أن أمه لم تكن تسأله عما تعلم في المدرسة كما يعمل معظمنا بل كانت تسأله عن الأسئلة التي قام بسؤالها ابنها على أساتذته، فالإجابة عن تساؤلاتنا تكون على حسب نوعية وقيمة وأهمية و أبداع الأسئلة التي سألناها
.


 
جميع الحقوق محفوظة لعلم من الكتاب 2008
Creative Commons License
غير قابل للنسخ او الطباعة او إعادة النشر إلا بأذن من الكاتب