مدَّونة علم من الكتاب

الاثنين، نوفمبر 27، 2006

أطفال كبار

رزقة الله بطفلين صبي جذاب ذو سبع سنين وصبية جميلة ذات ثلاث سنوات ، قال لي بأنه يواجه معهما مشكلة المبيت بالغرفة المجاورة لغرفة نومهم الرئيسية لأنها اصبحت تضيق بهم ، قلت حدثني عن الأمربالتفصيل ، قال: باب الغرفة الآخر مجاور لباب غرفة النوم الرئيسية ولا يفصل الغرفتين الا جدار واحد ومع هذا حين نقنعهم طويلا بالمبيت فيها ما يلبثون إلا دقائق معدودات ويعودون الي الغرفة الرئيسية ، وحين نغلق بابها يزعجوننا بالطرق عليه الي ان نفتح لهم فينسدلون اليها بهدؤ مع أنهم يلعبون بغرفتهم طوال اليوم ، وهكذا في كل يوم نكرر نفس الأحداث السابقة.

قلت له: صف لي غرفة نوم الأطفال ، قال جهزتها أمهم لهم لتكون غرفة لعب ونوم ، بها العابهم وصور للشخصيات الكرتونية معلقة على الجدران وحتى بالسقف وبها سريرين صغيرين واثاث مخصص للأطفال. قلت: هل السرر بغرفتهم بنفس الحجم؟ أجاب: بالطبع لا .. سرير الولد صغير وعادي اما سرير البنت فهو سرير الأطفال من النوع القفصي لكي لا تصقط منه. قلت: وكم مضى على قراركم بمبيتهم بالغرفة المجاورة؟ أجاب: حوالي ثلاثة او أربع اسابيع. قلت: وحين يباتون معكم بغرفتكم أنتم اين ينامون بالعادة قال: في منتصف السرير بيننا . قلت : إذا هم لا ينامون على الأرض . قال: على الأرض؟ .. لا .. بتاتاَ. قلت: سيحتاج اقناعهم بالمبيت في غرفتهم الي إجراء بعض التعديلات بغرفة نومهم. إعتدل في جلسته منصتا وقال كلي آذان صاغية ، اي تغيير ليبيتون بغرفتهم سأجريه بها فورا. قلت: يقارن الولد بين سريره الصغير وسريركم الكبير ، وتقارن البنت بين سريرها القفصي وسرير أخيها العادي. في نظري ستحتاج الي الغاء كلا السريرين وتزود غرفتهما بأسرة عادية وعلى كل حال هناك اسرة منخفضة وحجمها ليس كبيرا جدا.

(( الأطفال دائما يقلدون الكبار فتجد الأبن يقلد اباه في لبس العقال والغترة وتجد البنت تقلد أمها في لبس ثياب الصلاة وهكذا ، هذا النوع من التقليد يولّده العقل الواعي ويسجله فيما بعد العقل الباطن ، فتجد الطفل يقلد والديه في طريقة العقاب على اخوانه الصغار ، وفي طريقة الجلوس ، وفي طريقة الأكل و الشرب ، وحتى في طريقة النوم ، ولأنهما تعودا على النوم في سرير والديهما ، فإن الصورة الذهنية لسرير الوالدين مقارنة باسرتهما الصغيرة يرفضها عقلهما الباطن ، فالولد يصر على النوم بسرير أكبر لأنه يشعر بأنه كبير كفاية لينام عليه والبنت تصر على تقليد إصرار أخيها. ))

وهكذا .. تركته وأنقطعنا فترة طويلة من الزمن ثم أنني قابلته يوما بالسوبرماركت فقال لي فعلت ما طلبته مني بعد تردد وأخذ وعطا بيني وبين والدة الأطفال وقد لا حظنا تغير كلي في تصرفاتهما منذ اليوم الأول خصوصا وأن والدتهما كانت تأخذ قيلولة قصيرة على سرير احدهما والآن هما يباتان بغرفتهما دون أزعاج بتاتا.

الجمعة، نوفمبر 24، 2006

عكس الآية

لي إبنة عمة تزن 78 كلغ تحاول منذ اكثر من سنتين انزال وزنها الي 65 كلغ وتنجح في غضون عدة أشهر ، وحينما يتم لها ذلك فإنها تكافئ نفسها مباشرة بأكل كل ما لذ وطاب دون أي قيد بالحمية المفروضة عليها. وهكذا تنزل وزنها الي 65 كلغ ثم تعيد رفعه من جديد الي حد بين 75 و 78 كلغ إلي أن قالت لي اليوم بأنها ترغب في ثبات وزنها عند الحد المطلوب بالتنويم او نحوه. قلت لها: بالطبع استطيع أن انومك وعندها ستتخلصين من عادة مكافأة نفسك بالأكل عند نجاحك في التخلص من الوزن السابق. فبدأت معها بجلسات التنويم إلا أنه لم تعجبها بتاتا (هتاك معارضة بين العقل الباطن "اللاوعي" والعقل الواعي) لذا كان هناك رفض من قبل الأول للتنازل للثاني. بعد اسبوعين من جلسات التنويم التي لم تفد معها طلبت منها أن تزورنا بالبيت فحضرت باليوم التالي.

قلت اسمعي هناك طريقة أخرى لإيقاف وزنك عند الحد الذي ترغبينه ولكنها طريقة قد تكون صعبه و مؤلمه بالنسبة لك. قالت: اسمعني ماهية. قلت: الي أي حد يصل وزنك الأعلى بعد تركك للحميه؟ ردت: الي حدود 78. قلت انتِ تثقين بي وبالطرق التي استخدمها في العلاج ؟ ردت: بالطبع فكل الذين اعرفهم او سمعت عنهم قد استفادوا منك. قلت عظيم ، إذا اسمعي جيدا لما سأقوله لك. اريد منك قطع وعد لي بأسم الثقة التي توجتيني بها ، قالت: أعدك. قلت: الآن أريد من عقلك الواعي واللاواعي الإنصات جيدا الي ماسأقوله..... اريد منك ان ترفعي وزنك الي 80 كلغ. قالت: ماذا؟ !! كم ؟!! . قلت أظنك سمعتيني. قالت: جئتلك لتنزل وزني لا لترفعه. رديت عليها. بل جئتيني تطلبين مني تثبيت وزنك عند حد 65 كلغ والتخلص من عادة الأكل الشرهة بعده ولا تنسي الوعد الذي بيننا . قالت: وكيف لي أن اتخلص منها وقد رفعته انت للثمانين. قلت: لم أرفعه أنا بل أنتِ التي ستفعلين ، إفعلي ما تشائين ولكن هذا هو علاجي والوحيد لك وقد وعدتي بالتنفيذ.

عكس الآية
(( لماذا طلبت منها رفع وزنها ؟......لأنها كانت تركز اساسا على انقاص وزنها وطالما انها تركز على ذلك فهي لا تهتم بالشرهة في الأكل وهنا علي أن اعكس نمط سلوكها (عكس الآية) لتركز على رفع وزنها لأن عقلها الواعي واللاواعي يسيطران على عملية إنقاص الوزن ولكنهما لا يهتمان كثيرا برفعه (هي تأكل لتكافئ نفسها على نجاحها في إنقاص وزنها وليس لترفع من معدله) لذا حين تشعر بأنها قد رفعته بإرادتها هي فستنقصه الي الحد المطلوب ولن ترفعه مجددا لأنها سترى كيف ستبدو إن هي تجرأت على رفعة متعمدة وليس كمكافأة على انقاصة.))

مر ما يقارب الشهرين ثم تلقيت منها اتصالا تقول فيه: لم ازن نفسي ولكن كل من حولي يقولون لي انني سمنت كثيرا. قلت لها: جيد أصعدي على الميزان الآن وأخبريني كم وصل وزنك. ردت: لا.. أخاف أن أصدم!!. قلت لها تذكري انتي رفعتي وزنك بإرادتك انتي وليس من أجل مكافأة نفسك بالأكل. ردت: لا. رفعته لأنني قطعت وعدا معك. قلت: ووعدك معي اساسه من أجل تثبيت وزنك عند الحد المرغوب ، وأردفت: أصعدي على الميزان الآن. مرت فترة صمت قصيرة ..... تبعتها صرخة نسائية مدوية جعلتني ابعد جوالي سريعا عن أذني... ثم قالت: ياااااه .. لقد وصل لـ 83 كلغ . قلت: عظيم. الآن ، أخبريني كم ستحتاجي الي انزاله الي 60 كلغ؟ ، ردت: ماذا؟ كم قلت؟ 60؟!! احتاج للدهر كله. قلت لا يهم عدد الأيام والسنين ولكن يهم أن تصلي للستين كلغ. قالت سأحاول. قلت بل ستفعلي إن شاء الله وودعتها.

(( تلاحظ هنا بأن عملية رفع الوزن أسهل بكثير من عملية إنقاصة وأسرع وهذا يحدث أكثر عند اصحاب نمط "داخل الزمن" In Time لإن خطهم الزمني يمتد من الخلف الي الأمام فلا يستطيعون رؤية ما وراء الصورة التي امامهم بحيث انه حين يكون الخط مستقيما فإن الحاضر يكون أمام الشخص مباشرة تماماً ، وهذا الشخص سيركز كثيرا امام الحاضر لأن كل ما يراه امامه هو الحاضر ، لذا تجده لا ينظر لزيادة وزنه حيث أنه يعيش يومه الذي هو فيه بالحاضر دون ترقب لما سيحدثه له الشره في الأكل ))

بعد حوالي شهر طلبت مقابلتي. فسألتها: هل ترغبين بمقابلتي بخصوص نفس الموضوع ، أجابت : نعم ، قلت كم هو وزنك الآن ؟ ، قالت لا أدري ولكني نزلت قليلا. قلت اصعدي على الميزان وأخبريني كم هو بالضبط. غابت قليلا ثم عادت وقالت: حوالي 79 كلغ ، قلت: ممتاز هناك تقدم ، ولكني لن التقي بك وجها لوجه حتى يصبح وزنك 60 كلغ . أجابت بحزن: مصمم؟ قلت: جدا ، اما الأتصال عبر الجوال او البريد الإلكتروني فهو مفتوح امامك.

(( طلبت منها إنزال وزنها للستين لألغي البرمجة المسبقة بعقلها اللاواعي الذي استند على الـ 65 كلغ لأن الألغاء في هذه الحالة سيزيل العائق لرفع وزنها للثمانين كما سنرى لاحقا حيث أن الـ 65 كلغ و 78 كلغ يسيران جنبا الي جنب بداخل عقلها اللاواعي وتغيرهما الي 80 كلغ و 60 كلغ يلغيان البرمجة السابقة ويحلان مكانها برمجة جديده كلياً.))

بعد ما يقارب الأربعة أشهر. ُطرِقَ جرس بيتنا عند المساء ، كنت وقتها بالمكتب المنزلي بالدور العلوي للفيلا فجأتني ابنتي قائله: في غرفة الجلوس مريضة مع الوالدة ترغب برؤيتك لتقييم حجم مشكلتها النفسية. تركت ما بيدي وطلبت من ابنتي أن تفسح الطريق امامي. نزلت احمحم لأسمع الزوجه تقول لي : تفضل ..............
دهشة ... و .... رعشه .... وربما صدمة انتابتني فجأة وانا انظر الي ابنة عمتي التي غدت كعارضات الأزياء ، وضعت الزوجة الميزان على الأرض امامها وقالت: أصعدي يا.. غزالة ... 60 كلغ مالم يكن ميزاننا خاطئ

لقد نجحت طريقة (عكس الآية) معها ، لقد عانت كثيرا من رفع وزنها برغبتها ثم انقاصة بقوة إرادتها.
قلت لها بعد ذلك ... قارني الآن بين رشاقة قوامك عند الستين كلغ وبين كتلة جسدك يوم تعدت الثمانين كلغ و أمامك مشوار طويل للتفاوض مع الذات وللتحدي معها في ثبوت وزنك على هذا النحو مهما كانت المغريات ومهما كانت العقبات ويبقى القرار بيدك انتِ فقط
.

الاثنين، نوفمبر 20، 2006

إبدا و توقف

حين عدت من المكتب مساءً بادرتني الزوجة بالسؤال إن كنت قد تلقيت اتصالاً بالمكتب من جارنا (أبو فلان) فقلت لا. في مساء نفس اليوم حدثتني بأن (أم فلان) زارتها صباح اليوم وقالت لها بأن أبنهم ذو الحادية عشر عاما يواجه مشكلة حقيقيه في التبول اللاإرادي ليلاً بالفراش ، وهذه المشكلة قد ارهقتهم كثيرا ، وقد عرضوه على أكثر من طبيب وإستشاري مسالك بولية ووُصفَت له كثير من الأدوية دون فائدة تذكر ، وهم يرغبون في علاجه بالتنويم او نحوه لتخليصه من هذا. قلت لها: أريد أن أرى الولد على إنفراد.

في اليوم التالي حضر الولد وكان ولدا مرحا و خلوقا وفي غاية النشاط والحيوية ، طلبت من الزوجة اللقاء به منفردا بالمكتب المنزلي دون إزعاج ، وحين ولجنا للمكتب سالته هل تعرف لمَ أنت هنا؟ أجاب: نعم ، لتحل مشكلتي ، قلت: عظيم ،حدثني عنها، أجاب: قالت أمي لزوجتك كل شئ – بداء خجولاً – فتحت له علبة جديدة من الشيكولا السويسرية وقدمتها له قائلا: هناك عشر قطع من الشوكولا اللذيذة الرائعة بداخل هذه العلبه سآخذ أنا واحدة فقط وستاخذ أنت التسعة قطع الباقية ، ثم أخذت واحدة وبدأت افتحها وآكل منها ، ففتح هو الآخر واحدة وبداء يقضمها وكان أسرع مني في التهامها ليمد يده للثانية فبادرته حينها قائلا : هناك شئ تعرفه انت ولكن في نفس الوقت لا تعرف انك تعرفه ، وحين تدرك أنك تعرف بأنك قد عرفته عندها ستتمكن من النوم على فراش وثير نظيف و جاف. بادرني هنا قائلا: طفشوني اهلي كل شوية يودوني لدكتور ، وأخواني وأخواتي يتتريقوا علي ، وأصحابي بالمدرسة يضحكوا علي وكل ما ابغى ابات عند خالاتي او عند احد من الجيران تمنعني امي لأنها تخاف اني اسويها زي العادة بالفراش ، وأهلى احيانا يسافروا مع اخواني واخواتي الصغار ويخلوني مع الكبار بالبيت . فقلت: وأنا سأكون مثل بقية الأطباء ولكن الأختلاف الوحيد هو أنني لن أعطيك دواء لتشربه ثم طلبت منه أن أساله سؤال واحد محدد وأريد عليه فقط جواب واحد محدد وكان سؤالي على النحو التالي:

لو أنك كنت بحمام عام في المدرسة ، بالسوق ، في مجمع تجاري تتبوّل ، وفجأة دخل عليك أحدهم (رجل غريب) أو أطل برأسة من وراء الباب ماذا أنت فاعل ؟ أجاب سأجمد مكاني ثم البس سروالي بسرعة ، قلت: ممتاز .... ستجمد مكانك و تلبس سروالك وحين تفعل ستتوقف عن التبول لأنك لن تلبس سروالك وانت تتبول صح؟ أجابني : صح ، فقلت : وهذا هو ما قصدته بأن " هناك شئ تعرفه انت ولكن في نفس الوقت لا تعرف انك تعرفه" وقد عرفته الآن وهو أنه في إمكانك ايقاف عملية التبول إراديا بإرادتك كما تفعل وانت تتبول بالحمام و يطل فجأة أحدهم برأسه من وراء الباب فتوقف التبول بإرادتك أنت وليس بإرادة الطبيب ، وليس بإرادة اخوانك واخواتك ، وليس بإرادة اصحابك بالمدرسة .

يابني بالنسبة لك من الصعب الحصول على فراش وثير ونظيف وجاف وقد تحصل عليه في خلال اسبوعين ولكنه بحاجة الي تدريب عملي وشاق سنسمية (إبداء و توقف) وقد تنسى او تتناسى القيام بالتدريب ، ولكن لا مشكلة هناك لأن جسمك سيعتني بك لتعيد الكرة من جديد (إبداء و توقف) ثم يظهر فراش رطب من جديد ، وايضاً لا مشكلة (إبداء و توقف) وقد تمر عليك ايام لا تمارس التدريب العملي (إبداء و توقف) وايضا لا مشكلة طالما أنك ستعيد الكرة مرات و مرات وتمارس تمرينك (إبداء و توقف) وسيكون فخراً لي و لك لو ان فراشك كان نظيفا وجافا في الصباح بعد ثلاثة أشهر من الآن ، وسيكون ايضاً فخرا لنا لو حدث بعد ستة اشهر و أول فراش نظيف و جاف سيكون أصعب من أول فراشين نظيفين وجافين و أول ثلاثة فرش نظيفه و جافة ستكون اسهل من أول فراشين نظيفين وجافين وهكذا حتى يصبح الفراش رقم مئة هو كطعم الشوكولا التي اكلتها قبل قليل لأنه اصبح سهل ويسير و عادي جدا.

أعطيته الشوكولا وخرجنا من المكتب المنزلي بعد حوالي ساعة وعشرون دقيقة و قلت للزوجة ما حدث وشرطت عليها أن لا تخبر اهله بهذه التفاصيل.

بعد ما يقارب الأسبوعين طرق باب بيتنا زائر صغير بيده علبه صغيرة و طلبني بالأسم ولكن لسؤ حظه لم أكن متواجدا بالبيت وقتها فترك الأهل العلبة الصغيرة على مكتبي وحين عدت فتحتها لأجد بداخلها خاتم صغير الحجم ورخيص من النوع الذي يستخدمة الأطفال فسألت عنه فقيل لي بأن ذاك الولد قد احضره هديه لي ... امم لقد سعدت بهديته كثيرا لأنها تقول بكل بساطة لقد حصلت على أول فراش نظيف وجاف ..

بعد حوالي سبعة اسابيع من الجلسه حصلت من الولد على هديه مشابهه أخرى ، واليوم مر حوالي ثلاثة اشهر وقد حصلت هذه المرة منه على مجلة بحالها وهذا يعني بأن مسلسل الفراش الجاف والنظيف في إزدياد.

ملحوظة خاصة: في علاج الحالات النفسية عند الأطفال والمراهقين تذكر بأن لكل منا لغته الخاصة ولا اعني بها لغة الكلام ولكن اقصد لغة التعبير ، لغة الشرح ، لغة الوصف ، فحينما تستمع للطفل المريض استمع وانصت جيدا لطريقة شرحة ووصفه وقد يتحدث بطريقه بداءية وممله من مفهومك أنت كبالغ ، ولكن في مفهومه هو هذا أقصى حد يمكن له أن يصف شعوره وما يود قوله لك فكن هو ... كن في مستواه السني والخلقي والجسدي والفكري والعقلي واللغوي والوصفي .. تلبسه كما تلبس ثيابك عليك وتنازل .. تنازل عن وضعك كمعالج الي وضعه كمريض و قبل ذلك كطفل ينشد العلاج بكل ما لديه من طاقة .. يحاول أن يعرف الآخرين بوجهة نظره على حقيقتها كما ينظر اليها هو لا كما ينظر اليها الآخرون.

الأحد، نوفمبر 05، 2006

منهج العلاج بالقراءة أو الببليوثيرابيا Bibliotherapy

إن فطر الله سبحانه وتعالى بني الأنسان على التساؤل وحب الإستكشاف أتاح لهم أن ينمو كينوناتهم المعرفية وأن يندفعوا دائما نحو معرفة المزيد دون أن يجدوا اي حدود للتشبع او الأرتواء. كان العلم في القديم يقوم على (النقل) فكان التعلم والتعليم عبارة عن أفعال مقترنة بالزمان حيث يتمان وفق تتابع زمني ، وحين صارت للغات أبجديات وتمتع الإنسان بنعمة الكتابة انتقلت المعرفة من حيز الزمان إلي حيز المكان وصار الحفظ والتوثيق والاسترجاع والنشر مماهو متاح على اوسع نطاق ، وبذلك أمكن للناس أن يطوروا معارفهم على نحو مدهش.

إن هناك دواعي كثيرة للواحد منا أن يتعلم ، ويقرأ ، ويكتسب الخبرات مدى الحياه منها:

• أن الذي يدعو الإنسان الي مزيد من التعلم هو العلم نفسه ، إذ أنه كلما زادت المعرفة، ضاقت منطقة المجهول.
• لم يكن لدى الناس قديماً إحساس قوي بإرتباط كسب الرزق بمدى ما يحصٌلونه من علم ، لكن الوضع قد تغير اليوم حيث تتضاءل على نحو متصاعد المهن والوظائف التي يمكن للأميين ومحدودي الثقافة الإضطلاع بها.
• إن العقل البشري يميل دائماً الي تكوين عادات ورسم أطر لعمله ، وهي مع مرور الوقت تشكل نوعا من البرمجة له وكلما كانت ثقافة الأنسان ضحلة ، وكانت مصادر معرفته محدودة ، ضاقت مساحة تصوراته وأصبح شديد المحلية في نماذجه وآرائه عاجزاً عن تجاوز المعطيات الخاطئة التي تشرٌبها من مجتمعه، والقراءة الواسعة ، والأطلاع المتنوع هو الذي يعظٌم الوعي لديه من خلال المقارنة وامتداد مساحات الرؤية وقد كان علما السلف ، لا يثقون بعلم العالم الذي لم يرحل ولم يغبٌر قدمية في طلب العلم إدراكاً منهم لمخاطر البرمجة الثقافية القائمة على معطيات محلية محدودة.
• التدفق الهائل للمعلومات وتراكم منتجات البحث العلمي في اتساع مستمر ، وتراكم منتجات البحث العلمي في اتساع مستمر ، والنتيجة المباشرة لذلك هي تقادم ما بحوزتنا من معارف ومعلومات ، وتفيد بعض التقديران أن نحو من 90% من جميع المعارف العلمية قد تم استحداثه في العقود الثلاثة الأخيرة. وسوف تتضاعف هذه المعارف خلال نحو 12 سنه.

وبعد ، فإذا كانت القراءة أهم وسيلة لإكتساب المعرفة ، وإذا كان إكتساب المعرفة أحد أهم شروط التقدم الحضاري ، فإن علينا ألا نبخل بأي جهد يتطلبه توطين القراءة في حياتنا الشخصية وفي حياة الأمه عامه ، فالمسألة ليست كمالية ولا ترفيهية ، إنما مسألة مصير.

يرى المختصون في علم النفس أن جوهر العلاج بالقراءة يتمثل في أن تتم قراءة كتب بالطريقة نفسها التي يتم بها إعطاء الأدوية في الروشتة العلاجية ، حيث أن العلاج بالقراءة هو علاج الأضطرابات النفسية والعصبية عن طريق قراءة كتب مختارة ، وهو أسلوب من اساليب تخفيف تلك الاضطرابات عن طريق القراءة ، وسنشرح أسس و أساليب وطرق وأهداف العلاج بالقراءة بشئ من التفصيل في الحلقات القادمة إنشاء الله ، وكما قال الكاتب الأمريكي كريستوفر مورلي: "إنك عندما تبتاع لشخص كتاباً ، فأنت لم تبتع له عشرة أوقيات من الورق والحبر والصمغ ، وإنما إبتعت له حياة كاملة جديدة"

إن هذا العلم الذي يبدو للبعض ساذجاً أو أقرب إلى التقليعة منه إلى العلوم ذات الأسس المتينة والواضحة المعالم والنتائج يخطئ كثيراً. فالعلاج بالقراءة، كعلم له أصوله وشروطه، وهو ليس مجرد دعوة مفتوحة لكل المرضى لتناول جرعات من الكتب التي يجدونها في متناولهم، بل على العكس تماماً، فالعلماء يحذرون من اعتباطية التعاطي مع الكلمة المكتوبة بالنسبة لأصحاب الأمراض العضوية أو النفسية، ويطالبوننا باستشارة الطبيب المتخصص. ومن خلال معرفة هذا الأخير بحالة مريضه يستطيع تزويده بتقرير مفصّل يحدد حالته ونوعية الكتب التي يحتاجها، والأهداف التي يتوجب الوصول إليها. ثم ينقل المريض التقرير بعد ذلك إلى مرشد القراءة المتخصص، الذي يفترض فيه انه على دراية دقيقة بالكتب، بحيث يحضّر من خلال بحث متأنٍ لائحة بالعناوين التي تتناسب ووضع المريض أو يزوده بها مباشرة. ويبقى التداول والتنسيق قائماً، خلال فترة العلاج، بين الطبيب الذي يقدّر مدى تطور الحالة والمرشد الذي قد يلجأ إلى تعديل اللائحة، بحسب ما تستدعيه الحاجة، إلى ان يصل المريض إلى برّ الأمان. ويحذر العلماء من قراءات غير مدروسة قد تسيء إلى وضع المريض وتؤدي إلى تدهور حالته، إما لأن المريض لا يملك القدر الكافي من الوعي لفهم ما يقرأ أو لأن اختيارات الكتب كانت غير موفقة، وتسببت بردود فعل سلبية لدى القارئ تجعله يقاوم العلاجات المعطاة له بدل ان يتفاعل معها.
ومن الأمراض التي تعالج بالقراءة حالات القلق، المشاكل الجنسية، ترميم الشخصية، الفوبيا على أنواعها، تعاطي المخدرات، الإنطواء، السمنة، التوتر، إضافة إلى العديد من الأمراض العضوية، التي تسهم القراءة في توعية صاحبها وجعله مدركاً لوضعه وأساليب علاجه والسبل التي تسهم في تحسين حالته. وقد تطور هذا العلم في أميركا، بفضل تقدم علوم المكتبات وتفرع تخصصاتها، وتمفصلها مع تطور مشابه في ميادين التحليل النفسي. وقد استخدم مصطلح ببليوثيرابيا للمرة الأولى عام 1949 يوم نشرت أول نظرية علمية متكاملة في الموضوع، ليشهد عقد الستينات قفزة نوعية على الأرض، لمست نتائجها العملية، في المصحات النفسية والمدارس والسجون ورياض الأطفال والاصلاحيات والمستشفيات. ورغم ان الكثير من الأطباء ما يزالون يفشلون في الإفادة من العلاج بالقراءة، إلا ان عشرات الدراسات التي أنجزت ونشرت في العقود الأربعة المنصرمة تؤكد عل حقيقتين هامتين كما يقول المؤلف: ارتباط الطب فعلياً بالببليوثيرابيا وتزايد ايمان الاختصاصيين بفعالية هذا العلم. وهكذا ترى ان ثمة علوماً يولد واحدها من بطن الآخر، فمن دون التخصصات في علوم المكتبات بتفرعاتها لم يكن علم الببليوثيرابيا ليبصر النور، ومن غير التطبيقات التي أجراها الأطباء على مرضاهم وتوثيق تجاربهم في الدوريات العلمية على مدى عقود، ما كنا لنعرف فعالية القراءة أو وظيفتها. وانتشار المكتبات العامة في المؤسسات الطبية والتعليمية، سهل المضي في التجارب، واختبارها عن قصد أو حتى عن غير قصد. وبات لهذا العلم انصار ومتخصصون وعشاق. ولكن ما يجعل علماً من هذا القبيل صعباً تطويره أو تعميمه في المجتمعات العربية، ومستعصياً الأخذ به ـ ولو أفلحنا في استيراد نظرياته ـ هو وجود سبعين مليون أمي وما يوازيهم ويزيد عنهم من أنصاف الأميين. وكلام من هذا القبيل لا يريد إثباط الهمم، وإنما التأكيد على ان المسير إلى الأمام يتطلب دفعاً من كل الاتجاهات. ويؤكد الدارسون ان قراءة الأساطير القديمة التي استخدمت منذ العصور اليونانية لتعليم الناس الأخلاق والتهذيب، رغم ما تنطوي عليه من رمزية ومعان عميقة، اتضح ـ بعد التجريب ـ ان لا تأثير لها يذكر على المرضى المعاصرين، وعلى العكس منها فقد تمت الإفادة من دواوين الشعر والروايات وكتب الحقائق، والقصص بما فيها قصص الخيال العلمي، وكذلك الكتابات العلمية البحتة، والتاريخ كما الرحلات، وثمة من ينتفع بقراءة الكتب الدينية، ولكل نفسٍ متطلباتها. فقد ظهر مثلاً ان كتب التراجم تفيد بنجاح كبير في رفع درجة الوعي وإيقاظ الضمير عند الكبار، لكن مفاعيلها سلبية عند الصغار. وقد اختبرت القراءة الصامتة، والقراءة بصوت عالٍ، كما جرّبت القراءة للمرضى من خلال أندية للشعر مثلاً. ومن الطرق المستخدمة مناقشة المريض بالمادة التي قرأها إما منفرداً أو في جلسات جماعية يتداول خلالها الآراء والتحليلات مع من لهم أوضاع مشابهة. إذ ان غياب الأخذ والرد وترك القارئ من دون تزويده بالإيضاحات والتعليقات، قد يجره إلى تأويلات غير التي يطمح المعالج إليها. وينصح المعالجون بإعطاء المريض الإحساس الكامل بالحرية، إن لناحية اختيار الكتب التي يريد أو الإفادة منها بالطريقة التي يحب، بحيث تأتي التوجيهات خفرة لا تترك انطباعاً بالتسلط أو النصح المباشر. وقد يكون ما هو أهم من الوظيفة العلاجية لهذا العلم، الذي تبلورت ملامحه بتسارع واضح في السنوات الأخيرة، دوره الوقائي. إذ اتضح ان إعطاء التلامذة في المدارس الكتب التي تتناسب وشخصياتهم كما حاجاتهم الذاتية، والتي تجيب عن أسئلتهم، أو تقوّم المعوج في شخصياتهم، وذلك من خلال معرفة حميمة وذاتية بكل منهم، يساعد إلى حد بعيد في تنمية أشخاص أسوياء يتغلبون على العلل التي قد تتلبسهم قبل تمكنها من نفوسهم.


 
جميع الحقوق محفوظة لعلم من الكتاب 2008
Creative Commons License
غير قابل للنسخ او الطباعة او إعادة النشر إلا بأذن من الكاتب